تطورات جديدة على الطريق التونسي
فبراير 1st, 2023 - كتب المقال: eberhard
نشر للمرة الأولي بواسطة المركز المدني لتنسيق الإنقاذ البحري بمجلة أصداء العدد الرابع 2023م
على مدى العامين الماضيين ، تزايد عدد الأشخاص الذين يغادرون تونس بالقوارب للوصول إلى إيطاليا. يصف هذا التحليل آخر التطورات على طول هذا الطريق ، مع وضعها في الإطار الأوسع لسياسات التعهيد الحدودي الأوروبية.
طريق أكثر خطورة : عدد متزايد من القوارب المحطة
منذ عام 2022 ، يتزايد عدد حطام القوارب وحالات الإختفاء بالقرب من الساحل التونسي للقوارب التي تقل مهاجرين يحاولون الوصول إلى إيطاليا. وبحسب معطيات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (FTDES) ، فقد توفي بين بداية العام ونهاية نوفمبر 2022 أكثر من 575 شخصًا على هذا المعبر. إلى هذا الرقم، يجب أيضًا إضافة حطام السفن "غير المرئي" ، تلك القوارب التي لا تعد ولا تحصى والتي تختفي دون أن تترك أي أثر.
في تونس، تتراكم جثث المهاجرين الذين تقذف بهم الأمواج إلى الشاطئ في المشارح، وكذلك أولئك الذين يستعيدهم خفر السواحل أو الصيادون التونسيون. وبحسب القاضي مراد تركي المتحدث باسم محاكم صفاقس ، فقد استقبلت مشرحة المستشفى الإقليمي بصفاقس في الفترة من 1 يناير إلى 31 ديسمبر 2021: 300 جثة انتشلت من البحر. بين يناير وأبريل 2022 ، تم تسجيل 125 جثة في نفس المستشفى. وتجدر الإشارة إلى أن معظم الجثث، التي يكون من الممكن التعرف عليها، هي جثث لمهاجرين غير تونسيين، معظمهم من غرب ووسط إفريقيا.[1]
صور احمد الزبوكري
هذه المشرحة مزدحمة لدرجة أن الجثث عادة ما توضع على الأرض دون تبريد، على الرغم من درجات الحرارة الخانقة والمخاطر الصحية، ناهيك عن الإعتداء على كرامة الموتى.
ونظام التعرف على الجثث معيب، حيث يتم دفن معظم الجثث دون الكشف عن هوياتها. يتعلق هذا الفشل أيضًا بالمواطنين التونسيين، كما يتضح ذلك من غرق السفينة الأخير في جرجيس في سبتمبر 2022 (انظر مقالًا مخصصًا في أصداء # 3) ، حيث تم دفن الجثث دون التعرف على الحمض النووي.
عدد متزايد من المهاجرين من غرب ووسط أفريقيا
في السنوات الأخيرة ، تغير عدد السكان الذين يبحرون على الطريق التونسي ، مع زيادة واضحة في سكان غرب ووسط إفريقيا الذين سلكوا هذا الطريق منذ عام 2020. بينما مثل التونسيون في عام 2020م ما يقرب من ثلاثة أرباع أولئك الذين اعترضهم خفر السواحل التونسي ، تشير الأرقام إلى أنهم يمثلون في العام2022 FTDES نصف العدد فقط ، مع تحول غير التونسيين تدريجياً إلى الأغلبية [2]، ولا سيما سكان وسط وغرب إفريقيا. بينما إعتبرت تونس لفترة طويلة وطن أصيل للبعض، وكذلك مقصد نهائي للعديد من المهاجرين، وأيضًا بلد عبور بشكل متزايد.
منذ الستينيات ، رحبت تونس بالهجرة من دول جنوب الصحراء الكبرى ، والتي تتكون أساساً من المهاجرين الناطقين بالفرنسية الذين جاؤوا للدراسة أو العمل في شمال إفريقيا. يصل معظمهم إلى تونس عن طريق الطيران على أساس منتظم، مع إعفاء العديد من الجنسيات مثل الإيفواريين والغينيين والغامبيين والماليين من التقدم للحصول على تأشيرات للإقامة إذا كانت المدة تقل عن ثلاثة أشهر.
منذعام 2018 وبعد تعزيز التعاون بين الإتحاد الأوروبي وخفر السواحل الليبي على وجه الخصوص، أصبحت تونس أقرب إلى أن تصبح بلد عبور لكل من السكان والمهاجرين الفارين من ليبيا ، وكذلك أولئك الذين يصلون إلى تونس مباشرة من بلدانهم الأصلية. بينما يأتي بعض المهاجرين إلى تونس يحدوهم طموح محاولة عبور البحر إلى إيطاليا، فإن المزيد من الناس يغادرون تونس بالقوارب بعد أن عاشوا هناك لعدة سنوات، هرباً من الوضع الاقتصادي المتدهور والأشكال المتعددة لإنعدام الأمن (راجع الجزء ج).
هذا هو الحال خاصة في منطقة صفاقس ، حيث يوجد عدد كبير من المهاجرين من غرب ووسط أفريقيا. وبما أن عددًا كبيرًا من هؤلاء الأشخاص يعيشون في وضع غير نظامي وقانوني ويتم تجريمهم من قبل السلطات، فإن التحضير للعبور غالبًا ما يكون أكثر تعقيدًا من المواطنين التوانسة. الرحلات ذاتية التنظيم نادرة، وغالبًا ما تكون القوارب غير مستقرة ومكتظة.
طريق يصعب رصده ، مع وجود قوارب خطرة بشكل خاص
من الصعب بشكل خاص مراقبة المسار التونسي من قبل الفاعلين المدنيين. فكلما اقتربنا من الشواطئ التونسية ، كلما كانت المعلومات أكثر ضبابية ومخفية حول ما يحدث في البحر. حيث يتم منع المعدات الجوية المدنية بشكل خاص من دخول المجال الجوي التونسي العسكري ، والذي يغطي مساحة كبيرة من الطريق الرئيس بين تونس ولامبيدوزا. هذا هو أحد الأسباب الرئيسية وراء استمرار عدد كبير من الهجمات وإعتراض القوارب التي تغادر تونس حيث يشهدها فقط من يتعرضون للتهديد. علاوة على ذلك ، يُجرّم استخدام الهواتف المرتبطة بالأقمار الاصطناعية في تونس ، مما يحرم الأشخاص على متن القوارب من تنبيه السلطات أو alarm phone عند ابتعادهم عن الساحل.
علاوة على ذلك ، ظهر نوع من القوارب الخطرة بشكل خاص منذ الصيف الماضي (انظر المقابلة مع RESQSHIP). هذه القوارب المعدنية المصنوعة من ألواح حديدية رفيعة تجمع معاً جاءت إستجابة للغارات الأخيرة على مصانع القوارب الخشبية. يتم استخدام هذه القوارب في الغالب من قبل المهاجرين من غرب ووسط أفريقيا المغادرين من صفاقس. على الرغم من الترويج لهذه القوارب على أنها "آمنة" ، إلا أنها غير مستقرة للغاية ويمكن أن تمتلئ بالماء بسهولة وتنقلب في أي وقت. العديد من القوارب الحديدية التي تم إبلاغ alarm phone عنها بعد مغادرتها تونس تحطمت أو لا تزال مفقودة. ويصعب أيضًا على المنظمات غير الحكومية والسلطات إنقاذ هذه القوارب بسبب عدم استقرارها وحوافها الحادة ، والتي يمكن أن تلحق الضرر بالمهاجرين.
زورق حديدي في لامبيدوزا ، ريبيكا جيارولا ، أورورا
هجمات خفر السواحل التونسي ومناورات خطرة
وكما وثقت العديد من منظمات المجتمع المدني التونسية والأوروبية، فقد إتُهم خفر السواحل التونسي في مناسبات عديدة بالتورط في مناورات خطيرة أودت بحياة العشرات. هذه الظاهرة ليست جديدة، ففي فبراير 2011م، إتهم ناجون تونسيون حاولوا الوصول إلى إيطاليا بالقوارب، خفر السواحل التونسي (بأنهم "هرعوا عمداً " للإصطدام بقاربهم ، مما أسفر عن مقتل 5 أشخاص وفقد 30 شخصًا في المياه الدولية).[3]
تسارعت هذه الهجمات في الأشهر الأخيرة، واستهدفت بشكل متزايد المهاجرين التونسيين وغير التونسيين. حيث جمعن منظمات المجتمع المدني التونسية إلى جانب جمعت شبكة Alarm Phone العديد من الشهادات والصور ومقاطع الفيديو المنشورة على شبكات التواصل الاجتماعي التي تشهد على السلوك العنيف للسلطات التونسية أثناء عمليات الإعتراض البحري.
في 19 كانون الأول (ديسمبر) 2022م، نُشر بيان صحفي يحمل توقيع أكثر من خمسين جمعية تنديداً بهذا العنف المتمثل الضرب بالعصي، وإطلاق النار في الهواء أو باتجاه المحرك، والهجمات بالسكاكين، والمناورات الخطيرة بغرض الإغراق، والمطالبة بالمال مقابل الإنقاذ .. إن ممارسات خفر السواحل التونسي كما أوردها المهاجرون الذين صادفوهم هي أكثر من مقلقة. وينتج عن هذه الممارسات القتل، كما حدث الشهر الماضي، وفقاً لبعض الناجين، والخبر أوردته أيضاً وسائل إعلام مختلفة، عندما صدم قارب خفر السواحل الوطني التونسي قارباً لمهاجرين بعنف قبالة سواحل بلدة شابة التونسية ونتج عنه غرق ثلاثة أطفال".[4]
تساهم هذه السلوكيات العنيفة، والتي تشجعها سياسات تصدير الحدود التي ينتهجها الإتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، في جعل المسار التونسي مضاعف الخطورة. وعلى الرغم من هذه العقبات، لا يزال العديد من المهاجرين قادرين على الوصول إلى الساحل الإيطالي، والغالبية العظمى منهم بشكل مستقل (راجع مقالة مخصصة في أصداء #.2)
شريك رئيسي للدول الأوروبية الأعضاء في مراقبة الهجرة:
إتفاقية إعادة القبول بين إيطاليا وتونس
يتجسد التعاون بين أوروبا وتونس بشكل أساسي في الاتفاقيات الثنائية، ولا سيما بين تونس وإيطاليا، البلد الذي يقع على خط المواجهة للوافدين من الساحل التونسي. حيث وقعت إيطاليا وتونس عدة اتفاقيات للإدارة المشتركة للهجرة ومراقبة الحدود وترحيل مواطني البلدين بشكل غير نظامي، في عام 1998، وفي عام 2009، ثم في عام 2011 ومرة أخرى في عام 2017. ومع ذلك، فإن بعض هذه الاتفاقيات، لم يتم نشرها من قبل حكومات البلدين.[5]
تعد إتفاقية الإعادة إلى الوطن بين إيطاليا وتونس من بين الاتفاقيات القليلة التي يتم تنفيذها، وتشكل عمليات إعادة التونسيين إلى الوطن نسبة مئوية مهمة من إجمالي عدد عمليات الترحيل. في الواقع، مع عودة ما يقرب من 1922 تونسيًا في عام 2020م و 1872 في عام 2021م، تمثل عمليات الإعادة إلى تونس 73.5 في المائة من إجمالي عدد عمليات الإعادة التي نفذتها إيطاليا.
الهجرة من تونس كانت ولا تزال تعتبر هجرة "اقتصادية". من المعتقد بشكل عام أن المواطنين التونسيين ليس لديهم الرغبة ولا الحاجة لطلب الحماية الدولية. هذه الفكرة، البعيدة عن الواقع كما تشهد عليها باستمرار منظمات المجتمع المدني التونسية والدولية، راسخة للغاية وأثرت بشدة على ممارسات وسياسات إدارة الهجرة في تونس. بل أنه تم تكريسها في قرار وضع البلاد (تونس) على قائمة "البلدان الآمنة" ، مما يجعل من الصعب للغاية على المواطنين التونسيين الحصول على الحماية الدولية في إيطاليا.
الملايين لحماية حدود الإتحاد الأوروبي
في عام 2012م، وقعت تونس إتفاقية "شراكة إمتياز" مع الإتحاد الأوروبي ، والتي تمت ترجمتها إلى خطة عمل للفترة 2013-2017م. تشير الخطة أولاً إلى فتح مفاوضات لإبرام "شراكة من أجل التنقل": في مقابل سياسة تسهيل التأشيرات (المخصصة لنخبة صغيرة من التونسيين المؤهلين للغاية)، إن تعهد تونس بالتوقيع على إتفاقية إعادة القبول سيسهل إعادة وترحيل ليس فقط التونسيين المطرودين من أوروبا ، ولكن أيضًا رعايا البلدان الثالثة الذين كانوا قد عبروا أراضيها قبل وصولهم إلى الاتحاد الأوروبي.
في حين أن السلطات التونسية رفضت حتى الآن التوقيع على هذه الاتفاقية، فقد قبلت الملايين لتأمين حدود الإتحاد الأوروبي. ما بين عامي 2016 و 2020م، تم منح تونس أكثر من 37 مليونًا من الصندوق الإتئماني للإتحاد الأوروبي لأفريقيا من أجل "إدارة تدفقات الهجرة والحدود".
في وثيقة سربتها Statewatch[6] توضح بالتفصيل أولويات استراتيجية 2021-2027م بين الإتحاد الأوروبي وتونس، حيث اقترحت مفوضية الاتحاد الأوروبي تخصيص ما يصل إلى 85 مليون يورو لتونس لعامي 2021 و 2022 لتغطية نفقات "إدارة الحدود، وإدارة الهجرة، والعودة الطوعية من وإلى تونس، وكذلك لإجراءات متعددة للدولة التونسية بشأن الهجرة القانونية ومكافحة تهريب المهاجرين". على الرغم من بعض المشاريع التجميلية المتعلقة بالهجرة القانونية ، فمن الواضح أن الهدف هو منع وصول الوافدين إلى السواحل الأوروبية.
تلعب إيطاليا دورًا رائداً ومسؤولاً في دعم جهاز مراقبة الهجرة في تونس. منذ عام 2017م، استثمرت الدولة حوالي 75 مليون يورو لمشاريع إدارة الهجرة، وهذه المشاريع تمول بشكل أساسي من خلال صندوق الهجرة (المعروف سابقًا باسم صندوق إفريقيا الإيطالية) ، الذي تم إنشاؤه في عام 2017م، ومن خلال صندوق مكافأة العودة الذي تم إنشاؤه في عام 2019م.
تسعة من المشاريع الممولة تتعلق بدعم مراقبة الحدود من خلال تدريب الشرطة، وتوفير المعدات لجمع البيانات وإدارتها، والدعم التقني، والمعدات وصيانة السفن للقيام بالدوريات الساحلية وغيرها من الأدوات اللازمة لتتبع ومراقبة تحركات المهاجرين. ومن أجل هذه الأنشطة، خصصت إيطاليا 58 من جملة مبلغ 75 مليون يورو المذكورة أعلاه. بينما تم تخصيص الأموال المتبقية لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة وإعادة دمج العائدين وللمشاريع التي تهدف إلى حماية اللاجئين وطالبي اللجوء من خلال تمويل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تونس.
تعاون متزايد في البحر
في السنوات الأخيرة، ركز الإتحاد الأوروبي وإيطاليا جزءاً مهماً من دعمهما لتونس في مجال المراقبة البحرية. خير مثال على التعاون بين إيطاليا وتونس في هذا المجال هو مشروع "دعم مراقبة الحدود وإدارة تدفقات الهجرة في تونس" الذي ينفذه مكتب الأمم المتحدة للخدمات والمشاريع (Unops) في تونس ووزارة الخارجية الإيطالية ، هذا المشروع، الذي بدأ في مايو 2021م يتوقع أن يقوم بصيانة وتجديد ستة زوارق لخفر السواحل التونسي.[7]
يركز المكون التونسي في برنامج الإتحاد الأوروبي المغاربي لإدارة الحدود (BMP) ، الممول من صندوق الإتحاد الأوروبي للطوارئ لأفريقيا بما قيمته (30 مليون يورو للفترة 2018-2023) والذي ينفذه المركز الدولي لتنمية سياسات الهجرة (ICMPD)، يركز أيضًا على تعزيز قدرات خفر السواحل الوطني التونسي. يهدف المشروع إلى إنشاء نظام متكامل لمراقبة الحدود والاتصالات الساحلية، وتوفير المعدات التشغيلية لخفر السواحل (بما في ذلك تركيب الرادارات) وبناء قدراتهم من خلال الدورات التدريبية.
من الواضح أن قدرة الإعتراض المتزايدة لخفر السواحل التونسي تتناسب طردياً مع الدعم الإيطالي والأوروبي. ووفقًا للمعلومات التي جمعها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (FTDES) ، كان هناك أكثر من 29,000 عملية اعتراض في البحر منذ بداية عام 2022م. وفي الوقت نفسه، زاد عدد الهجمات على قوارب المهاجرين بشكل كبير. ويتم تدريب خفر السواحل التونسي وتجهيزه بالمعدات وتمويله بشكل مباشر من قبل الإتحاد الأوروبي، وذلك على الرغم من ممارساته العنيفة الموثقة.
لا يزال التعاون بين فرونتكس (الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل) وتونس غير واضح. في عام 2021م، أفادت فرونتكس أنه "لم يتم تنفيذ أي أنشطة مباشرة متعلقة بالحدود في تونس بسبب إحجام السلطات التونسية عن التعاون مع فرونتكس". منذ مايو 2022 ، تقوم فرونتكس بتحليق طائرات بدون طيار، بالإضافة إلى معداتها المختلفة، وتراقب الممر بين تونس ولامبيدوزا بشكل يومي.
ومع ذلك، في حين أنه من الواضح أن فرونتكس تشارك البيانات مع السلطات الإيطالية وأن السلطات الإيطالية تتبادل المعلومات حول القوارب التي في طريقها من تونس إلى إيطاليا مع الجانب التونسي، إلا أن الاتصالات وتبادل البيانات بين فرونتكس والسلطات التونسية لا تزال غير مؤكدة. .
حتى الآن، لم يكن من الممكن التحقق مما إذا كانت فرونتكس (الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل) على إتصال مباشر بخفر السواحل التونسي كما هو الحال مع خفر السواحل الليبي. وعلى الرغم من أن معظم عمليات الإعتراض حدثت قبالة الشواطئ التونسية، إلا أن البحرية التونسية قد نفذت بعض عمليات الإعتراض خارج المياه الإقليمية. ونظراً لأن تونس لا تقوم بأي طلعات جوية في هذه المنطقة، فمن المحتمل جداً أن المعلومات حول القوارب المعرضة للخطر تأتي إما من إيطاليا أو من فرونتكس مباشرة (الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل).
المنطقة التي تتواجد بها أصول فرونتكس الجوية. تظهر الصورة الأولى يوما نمطيا قياسيا. بينما تظهر الصورة الثانية الكثير.
تونس ، منصة إنزال مستقبلية؟
كخطوة إضافية في الاستعانة بمصادر خارجية لتصدير الحدود، فإن تحويل تونس إلى منصة إنزال هو مشروع طالما حلم به الاتحاد الأوروبي.
في 28 يونيو 2018م، متبنياً الإقتراح المشترك المقدم من قبل مفوضية شؤون اللاجئين UNHCR والمنظمة الدولية للهجرة، دعى المجلس الأوروبي ومفوضية الإتحاد الأوروبي لتطوير إقتراح لإدارة تدفقات الهجرة من خلال إنشاء `` مراكز خاضعة للرقابة (سيتم إنشاؤها على الأرض) من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي و "منصات إنزال إقليمية" (التي سيتم إنشاؤها ضمن أراضي دول الاتحاد الأوروبي).
بعد ذلك بوقت قصير، في يوليو 2018م، قدمت اللجنة ورقة غير رسمية حول منصات الإنزال الإقليمية في بلد ثالث.
ووفقًا لهذه الوثيقة، ستكون آلية الإنزال الإقليمية مخصصة للمهاجرين الذين يتم إنقاذهم في المياه الدولية أو في المياه الإقليمية لدولة ثالثة بواسطة سفن ترفع أعلام دولة عضو أو دولة ثالثة.
أشارت هذه الورقة غير الرسمية للمفوضية الأوروبية إلى أن إمكانية إنشاء منصات إنزال في دول شمال إفريقيا، هو أمر رهين بالتفاوض حول "حزمة مخصصة" لكل دولة ثالثة تعرض استضافة منطقة إنزال. بينما هدفت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ( UNHCR)) في المساهمة في المفاوضات من خلال الإلتزام بتعزيز أنظمة اللجوء الوطنية، بما في ذلك الإطار التنظيمي وآليات الحماية.
المصدر: south.euneighbours.eu ، 26 يوليو 2018
على الرغم من أن تونس رفضت هذا الاقتراح بشكل قاطع في ذلك الوقت، إلا أن المشاركة المتزايدة لوكالات الأمم المتحدة (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR والمنظمة الدولية للهجرة IOM ) على أراضيها تُظهر تزايد تصدير الحدود الأوروبية إلى دول شمال إفريقيا.
في خطة العمل الأخيرة لوسط البحر الأبيض المتوسط ، التي نشرتها المفوضية الأوروبية في نوفمبر المنصرم، تشير المفوضية إلى تونس من حيث تعزيز قدرات البلاد في مراقبة وإدارة حدودها البحرية، كما تعزز أيضاً وجود وكالات الأمم المتحدة ونظام استقبال المهاجرين واللاجئين في البلاد.
بلد لا يعتبر "آمنًا" بأي حال
إقتصادياً وإجتماعياً وسياسياً.
يتأثر الوضع السياسي والاقتصادي الحالي في تونس بالاضطرابات السياسية المستمرة منذ حلّ البرلمان في يوليو 2021م. ثم تفاقمت هذه الأزمة بسبب جائحة كرونا Covid-19 والتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا. تُرجمت تداعيات هذه الأزمة في الإجراءات التقشفية التي إتخذتها الحكومة التونسية والتي فرضتها المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي. لكن إجراءات التقشف هذه لا تحل العديد من القضايا مثل إرتفاع معدلات البطالة وكذلك إرتفاع أسعار السلع الأساسية وخصوصاً المواد الغذائية.
علاوة على ذلك، وعلى الرغم من تعزيز دور المجتمع المدني في أعقاب ثورة 2011م، فإن تونس ما تظل بعيدة كل البعد عن إحترام حقوق الناس. إن حرية التعبير والصحافة والتجمع والمعتقد ليست مكفولة بالكامل، وكذلك المساواة بين الجنسين. ما لم تتوقف وحشية الشرطة في السنوات القليلة الماضية ويؤكد ذلك حدوث عدة حالات اغتيال لشبان وحالات التعذيب الموثقة. أثرت وحشية الشرطة هذه على فئات اجتماعية مختلفة مثل الأشخاص من المناطق المهمشة أو الأشخاص من مجتمع LGBTQ +. وبموجب القانون التونسي، فإن الجنس بالتراضي بين الأشخاص من نفس الجنس مُجرم ويعاقب عليه بالسجن لمدة قد تصل إلى ثلاث سنوات.
أوضاع المهاجرين وطالبي اللجوء
وضع المهاجرين في تونس غير محدد إلى حد كبير ويتفاقم بسبب التشريع الخاص بالإقامة غير النظامية، الذي يعرض المهاجرين للإحتجاز والترحيل وعقوبات مخالفة الإقامة. كما يعاني العديد من المهاجرين الذين يعيشون في تونس أيضاً من تدهور الوضع الاقتصادي، وصعوبات الحصول على خدمات الصحة والتعليم ، وكذلك من العنصرية المضادة للسود، والتي تضرب بجذورها عميقاً في المجتمع التونسي. وقد تم تسجيل العديد من حالات العنف الجسدي التي بلغت ذروة تعبيرها في حالات القتل كقضية فاليكو كوليبالي، رئيس الجالية الإيفوارية في تونس، في عام 2018م.
علي الرغم من مصادقة تونس على معاهدة جنيف، إلا أن حق اللجوء لم يُضمن بعد في النظام القانوني التونسي. ومع غياب وجود تشريع ينظم الحق في طلب اللجوء، فإن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هي الكيان الذي يوفر الحماية الدولية في تونس منذ عام 2011م. وقد وثقت منظمات المجتمع المدني المختلفة على نحو مكثف معوقات تقديم طلب اللجوء، وإنعدام الشفافية والضمانات أثناء إجراءات تحديد وضع اللاجئ ، هذا فضلاً عن التمييز على أساس الجنسية. كما لا يستطيع اللاجئون وطالبو اللجوء الحصول على عمل ويُتركون في وضع حرج للغاية إذ لا يمكنهم الحصول على خدمات التعليم والصحة والدعم النفسي على الرغم من أن العديد منهم كانوا في ليبيا يواجهون التعذيب والإغتصاب والاستغلال.
اتُهمت تونس عدة مرات بانتهاك مبدأ عدم الإعادة القسرية. وقعت إحدى الحالات التي نادرا ما يتم الإعلان عنها في سبتمبر 2021م، عندما تم ترحيل العديد من المهاجرين، معظمهم من غرب ووسط أفريقيا، إلى ليبيا بعد أن إعترضهم خفر السواحل التونسي.
لا توفر بطاقة اللاجئ أو طالب اللجوء الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أي حماية ضد الاحتجاز أو الترحيل إلى البلد الأصل. على سبيل المثال حالة سليمان بوحفص، وهو لاجئ في تونس، تم ترحيله إلى الجزائر في أغسطس 2021م على الرغم من كونه تحت حماية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
من "الأمان" إلى زيادة تصدير حدود
على الرغم من كل الأدلة التي تؤكد أن تونس ليست بلداً آمناً، يميل الإتحاد الأوروبي إلى إدعاء العكس من أجل تبرير الإستعانة بمصادر خارجية لتنفيذ سياسات الهجرة الخاصة به. يعتبر مفهوم الدولة الثالثة الآمنة، الذي تم تقديمه بالفعل في "أوامر إجراءات اللجوء" (الأمر التنفيذي 2005/85 / EC) أمراً محورياً بالفعل لاستراتيجيات تصدير حدود الإتحاد الأوروبي. ويسمح تطبيقه بإعادة طالبي اللجوء إلى دولة ثالثة تعتبر آمنة، دون تقييم فعلي لمدى جدارة طلبات اللجوء الخاصة بهم.
ينص الأمر التنفيذي المعمول به حالياً على أنه يجوز للدول الأعضاء إعتبار بلداً ثالث آمناً إذا ما تم إستيفاء عدد من المتطلبات المتعلقة باحترام الحقوق الأساسية، مثل عدم وجود خطر الإضطهاد لمقدم الطلب، وإحترام مبدأ عدم - الإعادة القسرية وإمكانية أن يتقدم مقدم الطلب بطلب الحماية، وفي حالة قبوله، يمكن الحصول على الحماية الكافية وفقاً لمعاهدة جنيف.
بالصور: لاجئون في تونس. لاجئون يحتجون أمام مكاتب المفوضية في جرجيس ، تونس ، يناير 2022.
يتعين على الدولة العضو فقط إثبات وجود صلة فعلية بين طالب اللجوء وبلد العودة. يهدف اقتراح إعادة صياغة "أمر إجراءات اللجوء '' الذي قدمته المفوضية في عام 2016م إلى توسيع مفهوم الدولة الثالثة الآمنة، مما يسمح للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بتطبيق المفهوم بعد الفحص الفردي الذي يؤكد علاقة طالب اللجوء بالدولة الثالثة، حيث يكون العبور أو البقاء في بلد معين صلة كافية وبالتالي، فإن أي شخص يصل ايطاليا عن طريق البحر ويمكن إثبات انه غادر من تونس، يمكن ترحيله بحجة أنه سيستفيد هناك من الحماية الكافية.
يُظهر هذا التحليل المخاطر التي ينطوي عليها إعتراف الدول الأوروبية بتونس كدولة ثالثة آمنة. ومن خلال تعزيز هذا المفهوم، يسعى الإتحاد الأوروبي تدريجياً إلى نقل طلبات اللجوء للأشخاص المتنقلين الذين يصلون إلى الساحل الأوروبي إلى تونس. هذا أيضًا هو المفهوم الذي يستخدمه الإتحاد الأوروبي لمحاولة جعل إنزال الأشخاص الذين تم اعتراضهم أو إنقاذهم في البحر الأبيض المتوسط في تونس مقبولاً. إن سيناريو تحويل تونس إلى منصة إنزال يميل إلى أن يصبح حقيقة، ولا يمنع تجسيده في اللحظة الراهنة سوى تردد السلطات التونسية ومعارضة المجتمع المدني.
يدين مركز تنسيق حقوق المرأة والطفل CMRCC هذه السياسة الخطيرة وغير القانونية واللاإنسانية. مع نشر وتعزيز حرية التنقل للجميع ، سنواصل توثيق جميع الأسباب التي تحول دون إعتبار تونس مكاناً آمناً للإنزال تحت أي ظرف من الظروف.
Title image: Tunisia-3913 - Where did the water go..... (archer10 (Dennis)/ CC BY-SA 2.0)
Footnotes
-
La Presse.tn, « Sfax | Faute d’inhumation des corps des migrants clandestins décédés en mer : La morgue de l’hôpital débordée », 5 mai 2022.
↩ -
Cf. FTDES monthly reports « Rapport des mouvements sociaux, suicides, violences et migrations ».
↩ -
Le Monde, Des rescapés accusent les garde côtes tunisiens d'avoir précipité leur naufrage, 15 février 2011.
↩ -
Press release, Deadly policies in the Mediterranean: Stop the shipwrecks caused off the coast of Tunisia, 19 December 2022.
↩ -
See agreements published on the website https://sciabacaoruka.asgi.it/.
↩ - ↩
-
https://sciabacaoruka.asgi.it/wp-content/uploads/2021/03/Concept_note.pdf.
↩